فصل: السابع عشر: الترقي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.السابع عشر: الترقي:

كقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يبطشون بها} الْآيَةَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ بَدَأَ مِنْهَا بِالْأَدْنَى لِغَرَضِ الترقي لأن منفعة الرَّابِعِ أَهَمُّ مِنْ مَنْفَعَةِ الثَّالِثِ فَهُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ وَمَنْفَعَةَ الثَّالِثِ أَعَمُّ مِنْ مَنْفَعَةِ الثَّانِي وَمَنْفَعَةَ الثَّانِي أَعَمُّ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ.
وَقَدْ قُرِنَ السَّمْعُ بِالْعَقْلِ وَلَمْ يُقْرَنْ بِهِ الْبَصَرُ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} وَمَا قُرِنَ بِالْأَشْرَفِ كَانَ أَشْرَفَ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الرَّبْعِيِّ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ:
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ الْوَصْفُ الْأَعْلَى ثُمَّ مَا دُونَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَضْعَفِهَا لِأَنَّهُ إِذَا بدأ بسلب الوصف الأعلى ثم بسلب مادونه كَانَ ذَلِكَ أَبْلِغَ فِي الذَّمِّ.
لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَلْبِ الْأَعْلَى سَلْبُ مَا دُونَهُ كَمَا تَقُولُ لَيْسَ زَيْدٌ بِسُلْطَانٍ وَلَا وَزِيرٍ وَلَا أَمِيرٍ وَلَا وَالٍ وَالْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي الذَّمِّ.
قُلْتُ: مَا ذَكَرْتَهُ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ أَنَّ الْأَصْنَامَ الَّتِي تَعْبُدُهَا الْكُفَّارُ أَمْثَالُ الْكُفَّارِ فِي أَنَّهَا مَقْهُورَةٌ مَرْبُوبَةٌ ثُمَّ حَطَّهَا عَنْ دَرَجَةِ الْمِثْلِيَّةِ بِنَفْيِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لِلْكُفَّارِ عَنْهَا. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الذَّوَاتِ الْمُتَنَائِيَةِ إِنَّمَا تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهَا إِذْ هِيَ أَسْبَابٌ فِي ثُبُوتِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهَا وَتَقْوَى الْمُمَاثَلَةُ بِقُوَّةِ أَسْبَابِهَا وَتَضْعُفُ بِضَعْفِهَا فَإِذَا سُلِبَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لِإِحْدَى الذَّاتَيْنِ عَنِ الْأُخْرَى انْتَفَى وَجْهٌ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إِذَا سُلِبَ وَصْفٌ مِنَ الْأَوَّلِ انْتَفَى وَجْهٌ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَسْلُبُ أَسْبَابَ الْمُمَاثَلَةِ أَقْوَاهَا فَأَقْوَاهَا حَتَّى تَنْتَفِيَ الْمُمَاثَلَةُ كُلُّهَا بِهَذَا التَّدْرِيجِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَلْطَفُ مِنْ سَلْبِ أَسْبَابِ الْمُمَاثَلَةِ أَقْوَاهَا ثُمَّ أَضْعَفِهَا فَأَضْعَفِهَا.

.الثَّامِنَ عَشَرَ: مُرَاعَاةُ الْإِفْرَادِ:

فَإِنَّ الْمُفْرَدَ سَابِقٌ عَلَى الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمَالُ والبنون}، وقوله: {من مال وبنين} وَلِهَذَا لَمَّا عُبِّرَ عَنِ الْمَالِ بِالْجَمْعِ أُخِّرَ عَنِ الْبَنِينَ فِي قَوْلِهِ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذهب والفضة}.
وَمِنْهُ تَقْدِيمُ الْوَصْفِ بِالْمُفْرَدِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْجُمْلَةِ، فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمانه} وقوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه}.

.التَّاسِعَ عَشَرَ: التَّحْذِيرُ مِنْهُ وَالتَّنْفِيرُ عَنْهُ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مشركة}، قَرَنَ الزِّنَى بِالشِّرْكِ وَقَدَّمَهُ.
وَقَوْلِهِ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} قَدَّمَهُنَّ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ الْمِحْنَةَ بِهِنَّ أَعْظَمُ مِنَ الْمِحْنَةِ بِالْأَوْلَادِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي (فِي النَّاسِ) فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ». وَمِنَ الْحِكْمَةِ الْعَظِيمَةِ أَنَّهُ بدأ بذكر النساء في الدنيا وختم (الْحَرْثِ) وَهُمَا طَرَفَانِ مُتَشَابِهَانِ وَفِيهِمَا الشَّهْوَةُ وَالْمَعَاشُ الدُّنْيَوِيُّ وَلَمَّا ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَعَدَّهُ لِلْمُتَّقِينَ أَخَّرَ ذِكْرَ الْأَزْوَاجِ كَمَا يَجِبُ فِي التَّرْتِيبِ الْأُخْرَوِيِّ وَخَتَمَ بِالرِّضْوَانِ. وَكَمْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْعَجَبِ إِذَا حَضَرَ لَهُ الذِّهْنُ وَفَرَغَ لَهُ الْفَهْمُ!.
وَمِنْهُ تَقْدِيمُ نَفْيِ الولد على نفي الوالد في قوله: {لم يلد ولم يولد} فَإِنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْأَوَّلِ مُنَازَعَةُ الْكَفَرَةِ وَتَقَوُّلُهُمُ اقْتَضَتِ الرُّتْبَةُ بِالطَّبْعِ تَقْدِيمَهُ فِي الذِّكْرِ اعْتِنَاءً بِهِ قَبْلَ التَّنْزِيهِ عَنِ الْوَالِدِ الَّذِي لَمْ يُنَازِعْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ.

.الْعِشْرُونَ: التَّخْوِيفُ مِنْهُ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} وَنَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ فِي الثَّامِنِ.

.الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: التَّعْجِيبُ مِنْ شَأْنِهِ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير}.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَدَّمَ الْجِبَالَ عَلَى الطَّيْرِ لِأَنَّ تَسْخِيرَهَا لَهُ وَتَسْبِيحَهَا أَعْجَبُ وَأَدَلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ وَأَدْخَلُ فِي الْإِعْجَازِ لِأَنَّهَا جَمَادٌ وَالطَّيْرَ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ.
قَالَ ابْنُ النَّحَّاسِ: وَلَيْسَ مُرَادُ الزَّمَخْشَرِيِّ بناطق مَا يُرَادُ بِهِ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ.

.الثَّانِيَ وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهُ أَدَلَّ عَلَى الْقُدْرَةِ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أربع}.

.الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَصْدُ التَّرْتِيبِ:

كَمَا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ إِدْخَالَ الْمَسْحِ بَيْنَ الْغَسْلَيْنِ وَقَطْعَ النَّظَرِ عَنِ النَّظِيرِ مَعَ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ فِي لِسَانِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ التَّرْتِيبِ.
وَكَذَلِكَ الْبَدَاءَةُ فِي الصَّفَا بِالسَّعْيِ وَمِثْلُهُ الْكَفَّارَةُ الْمُرَتَّبَةُ فِي الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ.
وَهُنَا قَاعِدَةٌ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا وَهِيَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ الْمُرَتَّبَةَ بَدَأَ اللَّهُ فِيهَا بِالْأَغْلَظِ وَالْمُخَيَّرَةَ بَدَأَ فِيهَا بِالْأَخَفِّ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلِهَذَا حَمَلُوا آيَةَ الْمُحَارَبَةِ فِي قَوْلُهُ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا}، الْآيَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهَا بِالْأَغْلَظِ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ جَعَلَهَا عَلَى التَّخْيِيرِ.

.الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: خِفَّةُ اللَّفْظِ:

كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: رَبِيعَةُ وَمُضَرُ مَعَ أَنَّ مُضَرَ أَشْرَفُ لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَدَّمُوا مُضَرَ لَتَوَالَى حَرَكَاتٌ كَثِيرَةٌ وَذَلِكَ يَثْقُلُ فَإِذَا قَدَّمُوا رَبِيعَةَ وَوَقَفُوا عَلَى مُضَرَ بِسُكُونِ الرَّاءِ نَقُصَ الثِّقَلُ لِقِلَّةِ الْحَرَكَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ تَقْدِيمُ الْإِنْسِ عَلَى الْجِنِّ مِنْ ذَلِكَ فَالْإِنْسُ أَخَفُّ لِمَكَانِ النُّونِ وَالسِّينِ الْمَهْمُوسَةِ.

.الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: رِعَايَةُ الْفَوَاصِلِ:

كتأخير الغفور في قوله: {عفو غفور} وقوله: {وكان رسولا نبيا}.
وَإِنْ كَانَتِ الْقَاعِدَةُ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ تَأْخِيرَ مَا هُوَ الْأَبْلَغُ فَإِنَّهُ يُقَالُ عَالِمٌ نِحْرِيرٌ وَشُجَاعٌ بَاسِلٌ وَسَبَقَ لَهُ نَظَائِرُ.
وَكَقَوْلِهِ: {خُذُوهُ فغلوه ثم الجحيم صلوه}، وَلَوْ قَالَ: صَلُّوهُ الْجَحِيمَ لَأَفَادَ الْمَعْنَى وَلَكِنْ يَفُوتُ الْجَمْعُ.
وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ الِاخْتِصَاصُ.
وَقَوْلِهِ: {إِنْ كنتم إياه تعبدون} فَقَدَّمَ (إِيَّاهُ) عَلَى (تَعْبُدُونَ) لِمُشَاكَلَةِ رُءُوسِ الْآيِ.

.تَنْبِيهٌ:

قَدْ يَكُونُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَمْثِلَةِ سَبَبَانِ فَأَكْثَرُ لِلتَّقْدِيمِ فَإِمَّا أَنْ يُعْتَقَدَ إِعَادَةُ الْكُلِّ أَوْ يُرَجَّحَ بَعْضُهَا لِكَوْنِهِ أَهَمَّ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ. وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى أَهَمَّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَإِذَا تَعَارَضَتِ الْأَسْبَابُ رُوعِيَ أَقْوَاهَا فَإِنْ تَسَاوَتْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْخِيَارِ فِي تَقْدِيمِ أَيِّ الْأَمْرَيْنِ شَاءَ.

.النَّوْعُ الثَّانِي: مِمَّا قُدِّمَ النِّيَّةُ بِهِ التَّأْخِيرُ:

فَمِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْإِعْرَابُ كَتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَاعِلِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا يَخْشَى الله من عباده العلماء}، {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها}، {وإذ ابتلى إبراهيم ربه} وَنَحْوِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِقَصْدِ الْحَصْرِ كَتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ. كَقَوْلِهِ: {قل أفغير الله تأمروني} {قل الله أعبد} وَكَتَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فِي قَوْلِهِ: {وَظَنُّوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله} وَلَوْ قَالَ: (وَظَنُّوا أَنَّ حُصُونَهُمْ مَانِعَتُهُمْ) لَمَا أَشْعَرَ بِزِيَادَةِ وُثُوقِهِمْ بِمَنْعِهَا إِيَّاهُمْ.
وَكَذَا: {أَرَاغِبٌ أنت عن آلهتي} وَلَوْ قَالَ: (أَأَنْتَ رَاغِبٌ عَنْهَا)؟ مَا أَفَادَتْ زِيَادَةَ الْإِنْكَارِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.
وَكَذَلِكَ: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَلَمْ يَقُلْ: فَإِذَا أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا شَاخِصَةٌ وَكَانَ يُسْتَغْنَى عَنِ الضَّمِيرِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالشُّخُوصِ.
وَمِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نفسا فادارأتم فيها}، قَالَ الْبَغَوِيُّ: هَذَا أَوَّلُ الْقِصَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فِي التِّلَاوَةِ.
وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْقَاتِلِ قَبْلَ ذَبْحِ الْبَقَرَةِ وَإِنَّمَا أُخِّرَ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ: {إِنَّ الله يأمركم} الْآيَةَ عَلِمَ الْمُخَاطَبُونَ أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا تُذْبَحُ إِلَّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى قَاتِلٍ خَفِيَتْ عَيْنُهُ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِلْمُ هَذَا فِي نُفُوسِهِمْ أُتْبِعَ بقوله: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها} عَلَى جِهَةِ التَّوْكِيدِ لَا أَنَّهُ عَرَّفَهُمُ الِاخْتِلَافَ فِي الْقَاتِلِ بَعْدَ أَنْ دَلَّهُمْ عَلَى ذَبْحِ الْبَقَرَةِ وَقِيلَ إِنَّهُ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي يُرَادُ به التقدم، وَتَأْوِيلُهُ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا فَسَأَلْتُمْ مُوسَى فَقَالَ لَكُمْ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تذبحوا بقرة}.
وَأَمَّا الزَّمَخْشَرِيُّ فَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِيرَادَهَا إِنَّمَا كَانَ يَتَأَتَّى عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ فِي الْقُرْآنِ لِمَعْنًى حَسَنٍ لَطِيفٍ اسْتَخْرَجَهُ وَأَبْدَاهُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهه هواه} وَأَصْلُ الْكَلَامِ هَوَاهُ إِلَهَهُ كَمَا تَقُولُ اتَّخَذَ الصَّنَمَ مَعْبُودًا لَكِنْ قُدِّمَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لِلْعِنَايَةِ كَمَا تَقُولُ عَلِمْتُ مُنْطَلِقًا زَيْدًا لِفَضْلِ عِنَايَتِكَ بِانْطِلَاقِهِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} الْآيَةَ، أَيْ أَنْزَلَهُ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْوَاحِدِيُّ.
وَرَدَّهُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَلَمْ يَجْعَلْ له عوجا قيما} مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَامِلٌ فِي ذَاتِهِ وَأَنَّ (قَيِّمًا) مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُكَمِّلٌ لِغَيْرِهِ وَكَوْنُهُ كَامِلًا فِي ذَاتِهِ سَابِقٌ عَلَى كَوْنِهِ مُكَمِّلًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ (قَيِّمًا) أَنَّهُ قَائِمٌ بِمَصَالِحِ الْغَيْرِ. قَالَ: فَثَبَتَ بِالْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ أَنَّ التَّرْتِيبَ الصَّحِيحَ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَاسِدٌ يَمْتَنِعُ الْعَقْلُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَيْهِ. انْتَهَى.
وَهَذَا فَهْمٌ عَجِيبٌ مِنَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ كَوْنَهُ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ مُتَأَخِّرٌ عَنْ كَوْنِهِ قَيِّمًا فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَرْتِيبِ اللَّفْظِ لِأَجْلِ الْإِعْرَابِ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ ثَابِتًا قَبْلَ الْآخَرِ وَيُذْكَرُ بَعْدَهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْبَحْثَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى تَفْسِيرِ الْقَيِّمِ بِالْمُسْتَقِيمِ فَأَمَّا إِذَا فُسِّرَ بِالْقِيَامِ عَلَى غَيْرِهِ فلا نسلم أن القائل يقول بالتقديم والتأخير.
وهاهنا أمران أمران:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَظْهَرَ جَعْلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَعْنِي قوله: {ولم يجعل له عوجا قيما} مِنْ جُمْلَةِ صِلَةِ (الَّذِي) وَتَمَامِهَا وَعَلَى هَذَا لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْحَالِ وَعَامِلِهَا وَيَجُوزُ فِي الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعَهَا النَّصْبُ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْكِتَابَ وَالْعَامِلُ فِيهَا (أَنْزَلَ).
قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (قَيِّمًا) فَيَجُوزُ فِي نَصْبِهِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا:- وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ- أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ (الْكِتَابَ) وَالْعَامِلُ فِيهِ (أَنْزَلَ) وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ عَلَى هَذَا اعْتِرَاضًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ وَتَقْدِيرُهُ: وَلَكِنْ جَعَلَهُ قَيِّمًا فَيَكُونُ مَفْعُولًا لِلْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَمْ يجعل له عوجا} وَتَكُونُ حَالًا مُؤَكِّدَةً.
وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنْ يَكُونَ (قَيِّمًا) مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا عِنْدَهُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الصِّلَةِ وَ: (قَيِّمًا) مِنْ تَمَامِ الصِّلَةِ وَإِذَا كَانَ حَالًا يَكُونُ فِيهِ فَصْلٌ بَيْنَ بَعْضِ الصِّلَةِ وَتَمَامِهَا فَكَانَ الْأَحْسَنُ جَعْلَهُ مَعْمُولًا لِمُقَدَّرٍ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ فِي تَفْسِيرِ البحر بعد نقله كلام الزمخشري: وعجيب من كَوْنُهُ لَمْ يَجْعَلِ الْفَاصِلَ الْمَذْكُورَ حَالًا أَيْضًا وَلَا فَصَلَ بَلْ هُمَا حَالَانِ مُتَوَالِيَانِ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَالتَّقْدِيرُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ غَيْرَ مُعْوَجٍّ.
وَهَذَا الْقَوْلُ- وَهُوَ جَعْلُ الْجُمْلَةِ حَالًا- قَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ ابْنِ الْمُنَيِّرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَرْتَضِ هَذَا الْقَوْلَ لِأَنَّ جَعْلَ الجملة حالا يفيده لا مَا يُفِيدُ الْعَطْفُ مِنْ نَفْيِ الْعِوَجِ عَنِ الْكِتَابِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْإِنْزَالِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَالْفَائِدَةُ الَّتِي هِيَ أَتَمُّ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِقْلَالِ الْجُمْلَةِ كَيْفَ وَالْقَوْلُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ رُبَّمَا لَاحَظَ هَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ يَمْنَعْ جَوَازَ غَيْرِ مَا قَالَ لَكِنْ مَا قَالَ هُوَ الْأَحْسَنُ.
وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْمُنَيِّرِ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ: إِنَّ الْجُمْلَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقِلَّةً فَهِيَ فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ لِلْعَطْفِ فَلَمْ يَقَعْ فَصْلٌ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ يَسْكُتُ عِنْدَ قَوْلِهِ: (عِوَجًا) وَيَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ (قَيِّمًا) بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ وَهِيَ رِوَايَةُ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ الْفَصْلِ وَانْقِطَاعِ الْكَلَامِ عَمَّا قَبْلَهُ قَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ وَتَحْتَمِلُ السَّكْتَةُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ قَيِّمًا نَعْتًا لِلْعِوَجِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ تَسْتَدْعِي النَّعْتَ غَالِبًا وَقَدْ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ إِيلَاءُ النكرة الجامدة نعتها كقوله: {صراطا مستقيما}، و: {قرآنا عربيا} فَإِذَا وَلِيَ النَّكِرَةَ الْجَامِدَةَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ نَكِرَةٌ ظَهَرَ فِيهِ مَعْنَى الْوَصْفِ فَرُبَّمَا خِيفَ اللَّبْسُ في جعل (قيما) نعتا لـ: (عوج) فوقع اللَّبْسُ بِهَذِهِ السَّكْتَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُتَوَهَّمُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا وَلَا يَصْلُحُ قَيِّمًا أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِـ: (عِوَجٍ) فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يُوصَفُ بِضِدِّهِ لِأَنَّ الْعِوَجَ لَا يَكُونُ قَيِّمًا وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا.
الثَّانِي: نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ قَيِّمًا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ عِوَجًا وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ همت به وهم بها} قِيلَ: التَّقْدِيرُ: لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ وَهَمَّ بِهَا وَهَذَا أَحْسَنُ لَكِنْ فِي تَأْوِيلِهِ قَلَقٌ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الصَّغَائِرَ يَجُوزُ وُقُوعُهَا مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {فَضَحِكَتْ فبشرناها بإسحاق} قِيلَ: أَصْلُهُ: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ فَضَحِكَتْ. وَقِيلَ: ضَحِكَتْ أَيْ حَاضَتْ بَعْدَ الْكِبَرِ عِنْدَ الْبُشْرَى فَعَادَتْ إِلَى عَادَاتِ النِّسَاءِ مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ.
وقوله: {فأردت أن أعيبها}، قدم على ما بَعْدَهُ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِلتَّوَافُقِ.
وَقَوْلُهُ: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} أَيْ أَحَوَى غُثَاءً أَيْ أَخْضَرَ يَمِيلُ إِلَى السواد والموجب لتأخير أحوى رِعَايَةُ الْفَوَاصِلِ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دينا} قَالَ ابْنُ بُرْهَانَ النَّحْوِيُّ: أَصْلُهُ: وَمَنْ يَبْتَغِ دينا غير الإسلام.
وقوله: {وغرابيب سود} قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغِرْبِيبُ: الشَّدِيدُ السَّوَادِ فَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَقَالَ صَاحِبُ (الْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ): قَالَ ابْنُ عِيسَى: الْغِرْبِيبُ: الَّذِي لَوْنُهُ لَوْنُ الْغُرَابِ فَصَارَ كَأَنَّهُ غُرَابٌ. قَالَ: وَالْغُرَابُ يَكُونُ أَسْوَدَ وَغَيْرَ أَسْوَدَ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَقْدِيمَ وَلَا تَأْخِيرَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الذِّكْرَ هُنَا الْقُرْآنُ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}.
وقوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر}.
وقوله: {فكذبوه فعقروها} أَيْ فَعَقَرُوهَا ثُمَّ كَذَّبُوهُ فِي عَقْرِهَا وَفِي إِجَابَتِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عنده} تَقْدِيرُهُ: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَعِنْدَهُ أَجَلٌ مُسَمًّى أَيْ وَقْتٌ مُؤَقَّتٌ.
وَقَوْلُهُ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوثان} أي الْأَوْثَانَ مِنَ الرِّجْسِ.
{هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لربهم يرهبون} أَيْ يَرْهَبُونَ رَبَّهُمْ.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} أَيِ الَّذِينَ هُمْ حَافِظُونَ لِفُرُوجِهِمْ.
{فَلَا تَحْسَبَنَّ الله مخلف وعده رسله} أَيْ مُخْلِفَ رُسُلِهِ وَعْدَهُ.
{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نفسه بصيرة} أَيْ بَلِ الْإِنْسَانُ بَصِيرٌ عَلَى نَفْسِهِ فِي شُهُودِ جَوَارِحِهِ عَلَيْهِ.
{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} خُلِقَ الْعَجَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ.
{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وأجل مسمى} أي ولولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ الْعَذَابُ لَازِمًا لَهُمْ.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} أَيْ كَيْفَ مَدَّهُ رَبُّكَ.
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لشديد} أَيْ لَشَدِيدٌ لِحُبِّ الْخَيْرِ.
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} أَيْ زَيَّنَ لِلْمُشْرِكِينَ شُرَكَاؤُهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانُوا يُحَسِّنُونَ لَهُمْ قَتْلَ بَنَاتِهِمْ خَشْيَةَ الْعَارِ.
وَقَوْلُهُ: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فضل الله عليكم ورحمته}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياة الدنيا} أَيْ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعمالهم كرماد اشتدت به الريح} تقديره: مثل الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ.
وقوله: {فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} أَيْ فَأَنَا عَدُوُّ آلِهَتِهِمْ وَأَصْنَامِهِمْ وَكُلِّ مَعْبُودٍ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا} أَيْ فَزِعُوا وَأُخِذُوا فَلَا فَوْتَ لِأَنَّ الْفَوْتَ يَكُونُ بَعْدَ الْأَخْذِ.
وَقَوْلُهُ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية}، يعني القيامة. {وجوه يومئذ خاشعة} وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} وَالنَّصَبَ وَالْعَمَلُ يَكُونَانِ فِي الدُّنْيَا فَكَأَنَّهُ عَلَى التقديم والتأخير معناه وجوه عاملة ناصبة وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ خَاشِعَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وُجُوهٌ يومئذ ناعمة}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فتكفرون}، تَقْدِيرُهُ: لَمَقْتُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا حِينَ دعيتم إلا الْإِيمَانِ فَكَفَرْتُمْ وَمَقْتُهُ إِيَّاكُمُ الْيَوْمَ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ دُعِيتُمْ إِلَى النَّارِ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسود من الفجر}، لِأَنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ لَهُ سَوَادٌ وَالتَّقْدِيرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْفَجْرِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ اللَّيْلِ أَيْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ بَيَاضُ الصُّبْحِ مِنْ بَقِيَّةِ سَوَادِ اللَّيْلِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لم تكن بينكم وبينه مودة} وقوله: {كأن لم تكن} منظوم بقوله: {قد أنعم الله علي} لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الشَّمَاتَةِ.
وَقَوْلُهُ: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تتخذوا إلهين اثنين}، أي اثنين إلهين لأن اتخاذاثنين يقع على ما يجوز وما لايجوز وَ: (إِلَهَيْنِ) لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَـ: (إِلَهَيْنِ) أَخَصُّ فَكَانَ جَعْلُهُ صفة أولى.